لغة ” أكلوني البراغيث “

هذه اللغة التي اُصْطلح على تسميتها لغة ( أكلوني البراغيث ) هي لغة أزد شنوءة و حكاها البصريون عن طيء كما حكيت عن بني الحارث بن كعب و يرد الحديث عن هذه اللغة في معرض حديث النحاة عن وجوب تجريد الفعل من علامة تدل على تثنية أو جمع إذاكان فاعله ظاهرا مثنى أو مجموعا .

قال العلاّمة الأهدل فى الكواكب الدرّية : ” ومن العرب من يلحق الفعل علامة التثنية وهى الألف ، وعلامة الجمع وهى الواو , والنون إن كان مؤنثاً “.

وقال أبو حيان فى الارتشاف : “حكى اللغويون أن أصحاب هذه اللغة يلتزمون بالعلامة مطلقاً أبداً و لا يفارقونها “.

فتقول (قاما الزيدان)، و(قاموا الزيدون)، و(قمن الهندات) فـ(قام) فى الأمثلة الثلاثة فعل ماض , والألف فى الأول حرف دال على التثنية , و(الواو) فى الثانى حرف
دال على جمع الذكور, و(النون) حرف دال على جمع الإناث , و(الزيدان),و(الزيدون),و(الهندات) فى كلِ فاعل
ومن شواهد المثنى قوله:
تولى قتال المارقين بنفسه ****وقد( أسلماه مُبعَد و حميمُ )

ومن شواهد جمع الذكور قوله:
(يلوموننى فى اشتراء النخيل****أهلى) وكلهم ألومُ

ومن شواهد جمع الإناث قوله:
(رأينَ الغوانى الشيبَ) لاح بعارضى****فأعرضن عنى بالخدود النواضرِ

وتسمى هذه اللغة فى اصطلاح علماء العربيّة لغة ( أكلونى البراغيث )
و (البراغيث) جمع برغوث – بالضم –

والإعراب: (أكل) فعل ماض , و (الواو) علامة الجمع , و(النون) للوقاية ,و(الياء) مفعول به, و(البراغيث) فاعل.

وسميت هذه اللغة بذلك ؛ لأنّ لفظ ( أكلونى البراغيث ) سمع من بعض العرب.

وهى لغة قليلة لطيّىء وأزد شنوءة و بَلحارث . قاله ابن عنقاء , وابن هشام فى المغنى.
وفى مثال (أكلونى البراغيث) شذوذان ذكرهما الشيخ الفاكهى فى الفواكه الجنية فقال “: أحدهما: إلحاق الفعل العلامة.

والثانى:استعمال الواو لما لا يعقل”.
فكان حقه أن يقول ( أكلتني البراغيث ) ؛ لأنّ البراغيث ليس ممن يعقل, ولكنّ الإمام ابن هشام قال فى المغنى”:وقد تستعمل _أى الواو_ لغير العقلاء إذا نزلوا منزلتهم”. ثم قال “:وقال ابن الشجرى : عندى أنّ الأكل هنا بمعنى العدوان و الظلم كقوله:
أكلتَ بنيك أكل الضبّ حتى****وجدتَ مرارة الكلأ الوبيل
أى ظلمتهم .”

قال الإمام ابن هشام فى المغنى”: وقد حمل بعضهم على هذه اللغة (( ثم عموا و صمّوا كثيرٌ منهم )) , و (( وأسروا النجوى الذين ظلموا )) , وحملها على غير هذه اللغة أولى لضعفها”.
وحُمِل عليها أيضاً قول النبىّ – صلى الله عليه و سلم -((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل و ملائكة بالنهار))

قال ابن عنقاء فى غرر الدرر”: والأوجه فى الحديث أن (ملائكة) بدل من (واو) يتعاقبون , ثم كونه مبتدأ وخبره جملة (يتعاقبون) ؛ لأنّها ليست من لغة قريش ولا الخطاب لبعض أهلها فيخاطبه – صلى الله عليه و سلم – بلغته , ولأنّها لقلتها نصّوا على ضعفها فلا يخرّج عليها القرآن و الحديث ما أمكن”.
ويقول سيبويه: “وأعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومك، وضرباني أخواك، فشبهوا هذا بالتاء التي يظهرونها في: قالت، فكأنّهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامة كما جعلوا للمؤنث علامة”. انتهى.

وذكر ابن هشام في أوضح المسالك ثلاثة أوجه لـ( أكلوني البراغيث ) :
1 / أن ( البراغيث ) فاعل و الواو دلوا بها على الجمع كما دلوا بالتاء على التأنيث .
2 / أن الفاعل هو الواو و ( البراغيث ) بدل منه .
3 / أن ( البراغيث ) مبتدأ مؤخر والواو فاعل و الجملة الفعلية ( أكلوني ) في محل رفع خبر مقدم .…

By مدوحم الفيفي

مؤسس مدونة مدوحم الفيفي كاتب وناقد

اترك تعليقاً