:: حبيبي يوسف :: قصّة قصيرة ..

لازالَ ذلكَ الحلمُ يُراودُه .. كلما حاول إغماض عينيه الحَزِنتين الصغيرتين ..
يوسف.. يستيقظ كل صباح فرحا بيومه الجديد .. يرشُّ الماء بسرعة في وجهه الصافي الذي ورِثه عن أمه ” ميعاد” ..
يخرج حافيًا نشيطًا إلى الفناء ليلعب مع أولاد عمه الصغار .. لكنّه ما يلبثُ أنْ يتخلّى عنهم ، وينطلقُ إلى الشارع..
تَراهُ يفتّشُ يمينًا ويسارًا كأنّه يبحثُ عن كنزٍ مفقود .. يعرفه الجيران جميعًا.. فعادةً ما يجوبُ الشارعَ جيئةً وذهابًا.. لم يسألْهُ أحدٌ عن أي شيء يبحث لأنّه فقد حاسّة السّمْعِ عندما كان يعبرُ الشّارِعَذ برفْقَة أمّه التي قتلتها سرعة شابٍ متهور .. أما هُو فقد أصيبَ بضْربَةٍ في رأسه فَقَدَ بعدَها نِعمة السّمع “


كان بعد الحادث الأليم .. منطويا لا يحنُّ إلى شيءٍ كحنينه وشوْقِهِ إلى صَوتِ أمه..
كان لا يَهتمّ كثيرا بعلامات الاستفهام التي ترتَِسمُ على وجوه المارّة..
وذات يوم قررت ابنة عمه أن تكشف سرّه.. فهي لا تعرف لِمَ يعودُ مبتسمًا أحيانًا قليلة وغالبًا ما يعودُ مبتئسًا..
قررت مراقبَتهُ ولم تيْأس..
كان ” ابناء الحارة ” يحاولون أن يعرفوا السرّ كذلك..!
لكنهم لم يكونوا بنفس الجِدّية التي تملِكُها ابنة عمّه..
جاره” الغبيُّ ” رمى ريالا في طريقه.. لكن يوسف لم يلتقطْهُ !
استمر الجارُ الغبيّ في محاولاتِه مرّة يضع لعبة ، ومرّة نظّارة .. ومرة أخرج دجاجتهُ وقطته ُ.. لكنّ ذلك لم يكُن ما يبحث عنه ..
بعد أشهرٍ استسلمَ الجميعُ ..
إلا ابنة عمّه قررت أن تقوم بمحاولة أخيرة ..
لكنها فشلت.. وفي اليوم التالي لليوم الذي فشلت
فيه..


خرج ” يوسف” باكرًا.. وماكاد أن يََضعَ قدمَهُ في أول الشّارع حتى ارتسمت على وجهه ملامح الفرح والسرور ..
جرى نحو حبيبته بقوة..
ثم رفع قدمه عاليًا.. وهوى بها بكل ما أوتِي من قوة..
فانفجرت تلك العلبة ..
” المصاص ” الذي بداخلها
طارَ من قوّة الارتطام ..
تناثَرَ عصيْرُ البرتُقال في كل مكان.. تحولت علبَة العصِيْر إلى ما يشبه ورقة مطْوِيّة ..
كانَ صوْتُ ( فرقَعَتِها ) هو الصّوتُ الوحيُْد الذي يفتقدُ سماعه..
لأنه أمّه عندما كانا يَسِيْران في الطّرِيْقِ في ذلك اليوم الحَزِين كانت ترْكُلُ له عُلبَة عصير ال SUN TOP فليتقِطُها بفرحٍ ويقوْمُ ” بتفجيرها” وأمّه تضحَكُ بشدّة ، وتُصَفقُ له بسَعادة كبيرة ، وتقولُ :
شاطِر يا يُوسِف يا قوووووي..

حبيبي يا يُوسِف ..

علي جابر الفيفي
18/3/2014
جميع الحقوق محفوظة ..

By مدوحم الفيفي

مؤسس مدونة مدوحم الفيفي كاتب وناقد

اترك تعليقاً