[1]
يرشقه المارة بنظرات ازدراء كلّما مروا به …
لا يلتفت إليهم …
لم يسبق له أن تفحص ملامحهم …
ربّما كانوا بلا رؤوس …لكنه يحملق دائمًا في أقدامهم …
في يمناه إبرة للخياطة , وفي الشّمال خيطٌ أسود …
لم يسبق له أن رأى وجوههم …
يتعجّب ويتساءل بقلق :
ما أكثر الرؤوس والبطون !
ولكن أين أقدام النّاس ؟
إنّه …إسكافيٌّ بارع .

[2]
يرمقونه بنظراتٍ متسولة كلّما مرّوا به …
لا يلتفت إليهم …
لم يسبق له أن تذوّق طعم الجوع منذ زمن …
يحاول قراءة أفكارهم …
في يمينه ساطور , وفي الشِّمال دم …
يتعجّب ويتساءل بامتعاض :
ما أكثر الرؤوس والأقدام في هذا السّوق !
ولكنهم يسيرون بلا بطون …أين بطون الناس ؟
إنّه قصّاب حاذق …

[3]
تنحني له رقاب زوّاره …
يدقق في تفاصيل رؤوسهم , وفي ملامح وجوههم …
لم يسبق له أن لمَح أقدامهم …في يمينه مقصّ , وفي الشّمال مشطٌ …
يتعجّب ويتساءل بخبثٍ :
ما أكثر الأقدام والبطون !
ولكن أين الرؤوس ؟
إنّه حلّاق محترف …

[4]
وفي جوارهم …
هناك في زاوية السوق يجلس في ظلّ شجرةٍ طفلٌ صغير …
يحكّ رأسه …
قد غطى الشّعر ملامح وجهه الطّفولي البريء …
و أدْمَت حجارة السوق قدميه …
عصافير بطنه لا تزقزق …
فقد هجرت عشّها منذ أيام …
أو لعلّها ماتت …
لا يتعجّب …
ولم يخطُر بباله أن يسأل يومًا :أين النّاس ؟!
إنه يتيم

[5]
….

By مدوحم الفيفي

كاتب يبرز بأسلوبه المميز يجمع بين الإبداع الأدبي ومجال الكتابة والنقد، يتميز بقدرته على استعراض القضايا الاجتماعية والسياسية بطريقة ساخرة . لمدوحم الفيفي مؤلفات في مجال الشعر والقصص القصيرة التي تلمس خيوط الوجدان الإنساني وتلك التي تعكس الواقع بكل تعقيداته. تتسم كتاباته بالعمق والتنوع، ما يضفي على أعماله طابعاً خاصاً وجاذبية ملحوظة. ينقل الأفكار والمشاعر بأسلوبه الفريد والمبتكر الى القراء والمهتمين بالشؤون الاجتماعية والثقافية روائي وناقد وفيلسوف في آن واحد، يسلط الضوء على جوانب مختلفة من الحياة بأسلوبه الخاص .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *