لا ضير أن يتقدم العمر بالنجم الإيطالي مالديني – على سبيل المثال
ويتحول مع تتابع الأيام من قائد لواحد من أعتى الفرق الأوربيّة
-إلى رقم هامشي في أبعد ركن من زوايا الذاكرة .
نعم لا ضير , فقبله أعتزل ” ماردونا وباتيستوتا وزيدان ” , ولاكتهم حياة النسيان , وسيأتي بعدهم من يسير على خطاهم .
لكن الذي خيّل إليّ أن أسأل نفسي :
ما ذا لو اعتزلت كرة القدم نفسها ؟
مرت الكرة بمراحل – كما يزعمون من الجمجمة إلى كرة تصنع من الجوارب إلى تلك التي تعبأ بالهيدروجين .
أما آن لها أن تشيخ , وتعتزل كما يفعل أهلها .
لو حدث ذلك , ما الذي سيحدث ؟
تلك الدول التي صرفت عليها دم قلبها من أجل إلهاء شعوبها عن واقعها الأليم ,
من كبت , و من فقر وجوع ومرض وتخلف , ستجدها تصارع محاولات الإنقلاب وإسقاط النظام إلى غير رجعة .
أولئك المشغوفين – حدّ التخمة – بالظهور الإعلامي وبفلاشات التصوير سيجدون أنفسهم في حيص بيص .
أولئك الذين لا يعرفون من الحياة سوى الجري والانبراش والبزق والنفخ , كيف سيعيشون ما تبقى من حياتهم .
مع أعتزال كرة القدم سيتحول العالم إلى سجن بغيض , ستزداد معدلات البطالة , ولن يجد ( أبناء الشوارع ) مكانًا مناسبًا لإطلاق عباراتهم البذيئة على رؤوس الأشهاد .
لا أملك إحصائيات دقيقة , ولكن يبدو لي أن ثلث سكان العالم – على الأقل – لهم علاقة ما بكرة القدم .
تلك اللعبة التي تحولت إلى حياة أخرى بجانب هذه الحياة التي نعيشها , حياة وهمية نفرح فيها ونحزن ونأسى ولكن على لا شيء .
لو فرضنا جدلًا أنّ كرة القدم لم تأتِ إلى هذا الوجود , من كان منّا سيسمع عن ليبريا بدون جورج ويّا …
أو من كان سيعرف عن ويلز إلا بواسطة معرّفها الخاص ” جيجز ” .
كلّما سمعت اسم ” أوكرانيا ” خطر لي أنّ اسم عاصمتها ” أندريه شفشنكو ” .
هؤلاء هم الذين عرفوا كيف يطوعون المستديرة لأقدامهم …
بينما نحن في العالم العربي لا نلعب سوى كرة قدم ” تمثيلية ” نحاول فيها أن نقلّد الآخرين .
في الأخير عرفت لِمَ لم تعتزل كرة القدم بنفسها , ربما لأن أحدًا لم يهمس في أذنها :
العرب يلعبون كرة القدم .